الحكومة اللبنانية الجديدة.. ولادة بعد مخاض عسير وتحديات اقتصادية كبيرة وملحة في الأفق

بعد مخاض عسير، استمر لأكثر من ثمانية أشهر من المشاورات والمفاوضات لتشكيل الحكومة اللبنانية، تم الإعلان مساء يوم الخميس عن تشكيل حكومة توافقية ضمت مختلف الفرقاء السياسيين، ليتم بذلك وضع حد لحالة الفراغ والجمود اللذين ميزا المشهد السياسي لشهور عدة.

وصدر مرسوم تشكيل الحكومة، التي تضم ثلاثين وزيرا يمثلون مختلف القوى السياسية الكبرى، بينهم أربع نساء في سابقة هي الأولى من نوعها، بعد خلافات سياسية على تقاسم الحصص، مع ما لذلك من تداعيات سلبية على الوضعية الاقتصادية في البلاد.

وبنجاحه في إخراج الحكومة إلى حيز الوجود، يكون سعد الحريري قد نجح أيضا في تخطي كل العقبات والمعيقات التي صاحبت عملية التأليف، والتي عرفت في مختلف مراحلها صعوبات جمة، تمثلت في رهان إرضاء الأحزاب التي ظل كل منها متشبثا بمطالبه بشأن مسألة التمثيل وتوزيع الحقائب الوزارية.

وفي لبنان، لا يمكن تشكيل الحكومة من دون توافق القوى السياسية الكبرى إذ يقوم النظام السياسي على أساس تقاسم الحصص والمناصب بين الطوائف والمجموعات السياسية.

وتطلب الأمر نحو ثمانية أشهر من الشد والجذب بين رئيس الحكومة المكلف ومختلف الفرقاء السياسيين، وصولا إلى حكومة وطنية تجعل مصلحة لبنان فوق كل اعتبار، وذلك من خلال المشاورات الواسعة مع مختلف القوى والقيادات داخل البلاد، وتنظيم لقاءات محلية وأخرى مع وفود دبلوماسية، لتكسير الجمود وتذليل التعقيدات وبالتالي تشكيل حكومة ستكون مدة اشتغالها أربع سنوات.

ومنذ 24 من شهر يناير المنصرم، بدأت تلوح في الأفق بوادر الانفراج حين صرح سعد الحريري، أن هناك “أمورا إيجابية تتبلور بشأن تشكيل الحكومة، وسأحسم الموضوع الأسبوع المقبل”.

وبعد الانتهاء من عملية التأليف تدخل هذه الحكومة في الأيام المقبلة مرحلة دقيقة من تاريخ لبنان، بحيث ينتظرها الشيء الكثير خاصة وأن طموحات وانتظارات اللبنانيين متعددة ومتنوعة منها ملفات لها ارتباط بتحسين الوضع المعيشي للساكنة، وأخرى خارجية تساهم في استقرار الوضع الداخلي بالبلاد.

ومن بين الملفات المطروحة على طاولة الحكومة الجديدة، إلى جانب الأوضاع الإقليمية والأحداث بالمنطقة، ذلك المرتبط بالوضع الاقتصادي الذي لم تتمكن القوى السياسية بعد من إحداث أي خرق في الملف ما يقف حائلا أمام حصول لبنان على منح وقروض دولية لدعم اقتصاده الذي بدا يعرف، حسب المهتمين والمتتبعين، صعوبات كبيرة.

وعلى مدى الأشهر الماضية فرض الوضع الاقتصادي اللبناني نفسه وبحدة، الشيء الذي دفع بالعديد من الفاعلين الاقتصاديين إلى التفاعل مع الملف في أفق إيجاد حلول ومخارج لبعض الازمات الاقتصادية خاصة وأن قطاعات حيوية تضررت جراء تشكيل الحكومة مما انعكس سلبا على الاستثمارات والنمو الاقتصادي، إلى جانب تدهور مؤشرات اقتصادية في الأشهر الأخيرة من العام المنصرم ، وتسجيل الجمود في القطاع العقاري، والتراجع في قيمة الشيكات المتداولة التي تدل على مستوى الاستهلاك والاستثمار.

وهكذا ستكون الحكومة الجديدة مطالبة للانكباب على الاهتمام بالملف الاقتصادي وتطويق الازمة الاقتصادية التي تهدد البلاد وتسريع تنفيذ المشاريع الاستثمارية العالقة ، والسعي لدى المانحين للحصول على التعهدات المالية لدعم الاقتصاد المحلي والتي تقدر بنحو 11 مليار دولار ، تم الالتزام بها خلال مؤتمر “سيدر” بباريس لدعم الاقتصاد اللبناني.

وكانت وكالة (موديز) للتصنيف الائتماني العالمي قد خفضت من تصنيف لبنان الطويل الأجل للديون من “بي-3” إلى “سي ايه ايه -1″، ما يشير إلى “مخاطر ائتمانية عالية جدا”، بحسب المقاييس التي تحددها الوكالة.

وعزت الوكالة قرارها إلى “الخطر المتزايد لإعادة جدولة الدين ما قد يشكل تخلفا” عن الدفع، معتبرة أن الدين العام في لبنان بلغ ذروته بنسبة 141 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أحد أعلى المعدلات على الصعيد العالمي.

وفي المقابل، كان وزير المالية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل، قد دعا من جهته إلى الإسراع في إطلاق عملية الإصلاح المالي وصولا إلى تخفيف نسبة العجز، مقللا في الوقت ذاته من خطر تخفيض وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني لبلاده.

ويسجل لبنان واحدا من أعلى معدلات الدين العام في العالم، والذي تخطى، حسب جهات رسمية، 80 مليار دولار، فيما وصلت قيمة خدمة الدين العام إلى حوالي 5 مليارات دولار سنويا، ولم يسجل الاقتصاد المحلي سوى نمو بواقع 1 في المائة كمعدل وسطي في السنوات الثلاث الماضية.

ومن تداعيات كون البلد من أكثر الدول مديونية على مستوى العالم، تدهور الإنتاج وتراجع النمو وتجاوز معدل البطالة في البلاد 40 في المائة، بينما تبلغ نسبة الدين على الناتج المحلي حوالي 150 في المائة، ونسبة العجز في الموازنة حوالي 9 في المائة.

وكان صندوق النقد الدولي قد شدد على ضرورة إجراء تغييرات مالية فورية وجذرية لتحسين القدرة على خدمة الدين العام للبنان الذي بلغ أكثر من 150 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية 2017.

وواجه الحريري خلال الأشهر الأخيرة صعوبات كبيرة ناتجة بشكل أساسي عن خلافات حادة بين الأطراف السياسيين على تقاسم الحصص الوزارية، تم تجاوزها الواحدة تلو الأخرى قبل أن يصطدم باشتراط “حزب الله” تمثيل ستة نواب من السنة المقربين منه ومعارضين للحريري في الحكومة بوزير، الأمر الذي رفضه الحريري.

ومن شأن تشكيل الحكومة أن يفتح الطريق أمام لبنان للحصول على منح وقروض بمليارات الدولارات تعهد بها المجتمع الدولي دعما لاقتصاده المتهالك في مؤتمرات دولية، أبرزها مؤتمر سيدر الذي استضافته باريس في أبريل الماضي.

وربطت معظم الجهات الدولية والمانحة مساعداتها بتحقيق لبنان سلسلة إصلاحات بنيوية واقتصادية وتحسين معدل النمو الذي سجل واحدا في المئة خلال السنوات الثلاث الماضية مقابل 9,1 في المئة في السنوات الثلاث التي سبقت اندلاع النزاع في سوريا العام 2011.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.