
اشار بيان لوزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة الى ان جلالة الملك محمد السادس القائد الاعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية سيترأس زوال اليوم الاحد في ساحة مشور القصر الملكي في مدينة تطوان حفل أداء القسم الذي سيؤديه أمامه الضباط المتخرجون الجدد من مختلف المدارس والمعاهد العسكرية وشبه العسكرية والمدنية.
وسيتلقى الملك اثر ذلك، تهاني القوات المسلحة الملكية في نادي الضباط في مدينة تطوان، ويستقبل الضباط المتفوقين المتخرجين الجدد من مختلف المدارس والمعاهد العسكرية وشبه العسكرية والمدنية، حيث ستقام مأدبة غذاء بهذه المناسبة.
وفي الساعة الرابعة والنصف من عشية الاحد، سيترأس الملك محمد السادس حفل الولاء في ساحة مشور القصر الملكي في مدينة تطوان. وهو الحفل الذي يقدم فيه وزير الداخلية والولاة والعمال وعمد المدن ولاءهم لجلالة الملك.
ودأب الملك محمد السادس، منذ توليه الحكم صيف عام 1999 على أن تتسم خطبه في ذكرى أعياد تربعه على عرش أسلافه الميامين بالتركيز المكثف على آفاق المستقبل. لا يضمنها، إلا في ما ندر، تفاصيل إضافية عن إنجازات السنة المنصرمة، على اعتبار أنها كانت مبرمجة وتم تحقيقها بالصورة المثلى، وبالتالي لا يوجد ما يبرر العودة إليها والإطناب في الحديث المفصل عنها، ما دامت تشكل خاتمة مرحلة وإيذانا بتدشين أخرى، لها برامجها وأولياتها ومخططاتها وأهدافها التنموية، سينكب جلالة الملك خلال السنة الموالية على تنفيذها والحرص على إنجازها الفعلي، وفق المواصفات التي تم تحديدها وصادق عليها الملك والحكومة. ولا يجادل أحد في أن المغرب أصبح ورشا تنموية مستدامة على مدار الأيام، تشهد عليها اشغال كبرى تستفيد منها مختلف مناطق البلاد في الجهات الأربع من المملكة التي عرفت، بشهادة الملاحظين، عدالة مجالية غير مسبوقة، ألغت التصنيف الاستعماري للمغرب النافع وغير النافع. والحقيقة أنه مهما يكن حجم خطاب الملك في مناسبة وطنية مهمة مثل ذكرى عيد العرش، فإنه لا يمكن أن يستوعب تعداد كل المشاريع المكتملة أو التي في طور الانجاز وإعطاء تفاصيل كافية عما تحقق على أرض الواقع؛ لذلك جرت العادة أن تتمحور خطب عيد العرش على مشاريع المستقبل ورسم ملامح السياسات المزمع تنفيذها، التي يستفيد منها المواطنون، وهي سياسات شاهدة على إرادة راسخة في ديمومة الإصلاح.
ومن الواضح أن جلالة الملك لا يعرف الراحة والتردد بخصوص الإكثار من مشاريع تنموية من شأنها تغيير وجه البلاد ونمط حياة المغاربة. لا تحد من طموحه الإكراهات المالية. لعله يؤمن بفكرة أن السياسات الناجعة والبرامج المدققة والرؤيا الصحيحة، هي التي تجلب الحصة الأكبر من الرأسمال اللازم لتمويل المشاريع الطموحة تأتي الخيرات من حيث لا يحتسب الناس حتى صار المغاربة يتداولون عبارة “من أين أتتنا كل هذه البركات؟”.
وما يثير الإعجاب، في نهج الملك، ليس ضخامة المشاريع التي أطلقها وكلفتها الباهظة التي تتجاوز إمكانيات البلاد المتواضعة، وفق الحسابات والتقديرات الاقتصادية؛ وإنما في القدرة على إنجاز كل الأوراش الكبرى في مواعيدها المحددة الآجال وقبلها في بعض الأحيان: فلا تأخير ولا إبطاء ولا تراجع، إلا أمام الصعاب الفنية أو الطبيعية التي تنبع فجأة مخالفة توقعات التصاميم الهندسية. وإذا ما حدث عائق ما، فإن الملك يواجه الحقيقة ويتصدى لها باتخاذ كل الإجراءات الكفيلة باستمرار العمل، واضعا حدا للتكهنات بشأن وتيرة السير والسرعة في المشاريع المؤجلة وهي على العموم قليلة جدا، تلك التي يعوق سيرها الطبيعي وتقدمها أسباب خارجة عن الإرادة ما يتطلب إعادة النظر في سقفها الزمني. وإذا ما قسمت المنجزات الاقتصادية والاجتماعية المحققة في المملكة منذ تولي الملك محمد السادس مقاليد السلطة، وتم توزيعها على مدى السنوات السبعة عشر التي قضاها جلالته على كرسي الحكم، فإن كل سنة ستنال بالقطع نصيبها الوافر من المجهود التنموي الكبير، بل إن بعض السنوات يزخر بحصص استثنائية تفوق التوقعات وانتظارات المغاربة.
هذا وقد أطلقت بعض وسائل الإعلام على جلالة الملك وصف “ملك الداخل” وهو لقب لا يبدو ان جلالته يتضايق منه أو ينزعج، بل يعتز به. وهناك مرادفات أخرى باتت مألوفة في الأدبيات السياسية بالمغرب وعلامات مميزة لعهد وارث الملك عن والده الراحل الحسن الثاني.
لقد شهد المغرب في عهد الملك محمد السادس إصلاحات هيكلية عميقة مسّت بنيات النظام وهياكله السياسية، وتبلورت في علاقة مغايرة بين الحاكم والمحكومين، قوامها القرب من الناس والإصغاء إلى مشاكلهم ونبضهم، بكيفية مباشرة، عبر استثمار عدة وسائل للتواصل توفرها التكنولوجيا الحديثة، إذ أصبح في إمكان أي مواطن مغربي ومن أي مكان، إيصال صوته إلى السلطة العليا في البلاد، من دون تهيب أو خوف.
وأصبح اللقاء المباشر بالناس مكملا لوظيفة القنوات التمثيلية التقليدية التي تمارس من جهتها الأدوار الدستورية الموكولة إليها على مختلف الأصعدة: المؤسسة التشريعية، هيئات المجتمع المدني، مجالس المراقبة والمنافسة، حقوق الإنسان، ديوان المظالم، جهاز محاربة الرشوة والغش.
فهذه مؤسسات بعضها منصوص عليه في دستور 2011 ، وهي وإن كانت ذات طابع استشاري، فان بعضها يتمتع بأكثر من سلطة الاقتراح، وجرت العادة أن يوافق الملك على مجمل توصياتها ومقترحاتها التي ترفعها إليه للبت النهائي فيها، وأحيانا لطلب تحكيمه حينما تتعارض مواقف الفاعلين فيها بشأن سياسات معينة.
وجدير بالذكر أن سياسة القرب من الشعب وفئاته المستضعفة التي اختارها ويشدد عليها الملك محمد السادس في الكثير من خطبه وسياساته، تتسم بالتلقائية والتعاطي الإنساني الواضح مع الأوضاع الصعبة التي تستوجب الرأفة والرحمة والمساندة من لدن السلطات الرسمية وكذا من الأفراد الميسورين.
إن مبادرة التنمية البشرية “التي أطلقها الملك محمد السادس منذ سنوات، هي النموذج والمثال الحي للشراكة الثلاثية الناجعة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني. مبادرة أدمجها الملك في صميم السياسات الحكومية، فتحولت إلى مدرسة للتكوين وللتنافس بين جهات المملكة على التدبير الأمثل والمعالجة الميدانية، بعيدا عن الممارسة البيروقراطية، للصعوبات المحلية التي يعانيها السكان وخاصة في المناطق البعيدة التي تفتقد ضرورات العيش الكريم.
وفي هذا السياق لا يمكن لملاحظ، مهما كان موقفه من نظام الحكم في المغرب، الإدعاء أن عاهل البلاد ، يبغي من وراء اهتمامه بقضايا الناس البسطاء، كسب شعبية زائدة أو التفاف الجماهير حوله، فالواقع أن رابطا وجدانيا قويا، يربط المغاربة بملكهم، يجسده تدافع الحشود الشعبية كلما اقترب الملك منها وظهر بينها ؛ تتسابق للسلام عليه وتحيته، وفي بعض المرات الاقتراب منه لأخذ صورة معه ، فيبادلها المودة وينزل إليها مصافحا ومطمئنا إليها ، متجاوزا قيود البروتوكول.
لقد وافق الملك في سنة 2011 في خضم هياج الشارع العربي، على تمكين البلاد من وثيقة دستورية متقدمة مقارنة مع جميع المشاريع الدستورية التي استفتي المغاربة بشأنها منذ الاستقلال.
ورغم ان الحراك المغربي خلال هيجان الربيع العربي، لم يطالب بتعديل الدستور أو استبداله بوثيقة أخرى. اذ انحصرت شعارات المحتجين في مطالب معقولة تتمثل في الكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق ومحاربة الفساد في كل تجلياته ومظاهره.
لكن الملك محمد السادس، الراغب قبل الشارع في التغيير والقفز ببلاده نحو المستوى اللائق، وجد في شعارات المحتجين سندا لما يفكر فيه، ودليلا على حيوية المجتمع المغربي واستعداده لطي المراحل، سواء لدى فئة الشباب، أو القوة الحية في المجتمع.
وعندما أيقن الملك محمد السادس من ذلك المعطى، وأن الشعب يقف الى جانبه، لم يتردد في الإقدام على الخطوة الجريئة، ففاجأ الجميع بخطاب تاريخي أعلن فيه إلغاء دستور 1996، واسند كتابة الدستور الجديد إلى لجنة ضمت تعبيرات المجتمع الحزبية والنقابية والحقوقية والدينية والأكاديمية وأهل الخبرة.
كان من الممكن في ذلك السياق المحتقن، أن يسن ملك المغرب تدابير استثنائية ويماطل في الإصلاحات وينتظر هدوء العاصفة. لكن الملك تصرف خلاف بعض الأنظمة التي اشتعلت الحرائق في بلدانها، فحقق بالفعل الاستثناء المغربي.
وقد تضمن الدستور الجديد الذي صادق عليه المغاربة بنسبة عالية، من خلال اقتراع حر وشفاف، بنودا جريئة وغير مسبوقة، تمثلت في تنازل الملك الطوعي والإرادي عن الكثير من صلاحياته المهمة، مقتسما السلطة مع رئيس الحكومة، التي تستمد ثقتها من نواب الأمة في غرفتي البرلمان.
لقد تضمن الدستور الجديد إيجابيات كثيرة، واضعا البلاد في مرتبة الأنظمة الديمقراطيات الحديثة، لدرجة أن فئات عريضة من المغاربة، يسود لديها اعتقاد أن الدستور الجديد يفوق الواقع السياسي بدليل التعثر في تطبيق كل بنوده. وثمة حقيقة أكيدة مفادها ان إقامة الحياة الدستورية الطبيعية، تشكل أحد رهانات الملك محمد السادس.
ولا تختلف الورشة الدستورية في عمقها عن الورش التنموي الكبير. فيه ومنه يتدرب المغاربة من خلال نخبهم السياسية على ممارسة الفعل الديمقراطي الذي لا يسلم من عثرات الطريق.
وفي غضون أيام قليلة، سيخوض المغرب والمغاربة، تمرينا جديدا في الديمقراطية. ستتنافس القوى الحزبية والفاعلون السياسيون في ما بينهم من أجل الفوز بتفويض الناخبين لهم لتمثيلهم في المؤسسة التشريعية.
لا يوجد ما يشير الى أن تجربة السنوات الخمس الماضية، كشفت عللا بنيوية في الدستور الحالي، علما أن التحولات العميقة الجارية في العالم، تتجاوز التشريعات والقوانين كيفما كانت مهارة الذين صاغوها.
إن ما يجري في المجتمع، بكافة التعبيرات بما فيها المتطرفة، يندرج ضمن سياق الحراك الاجتماعي المشروع ، الذي يشكل أحد عمادات الديمقراطية.
وفي خضم هذا المشهد الزاخر بالتحولات والإنجازات، يحتفل المغاربة بالذكرى السابعة عشرة لارتقاء جلالته عرش أجداده الميامين، في أجواء الوئام الاجتماعي والتوافق على ما يوحد الأمة. فاستطاع المغرب بوحدته قهر الكثير من تحديات الداخل بالمعالجة المتبصرة.
قم بكتابة اول تعليق