الوساطة الأسرية ودورها في استقرار الأسرة

من إعداد:  عبد الرحيم ربلة

طالب باحث بماستر الوساطة  الأسرية  والإجتماعية،

كلية الشريعة بفاس

————————————–

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين

وبعد:    

لقد عرف المجتمع الدولي بفعل التحولات الاجتماعية والاقتصادية ، نقلة استراتيجية في معالجة مختلف قضايا المنازعات سواء على مستوى القانون العام أو الخاص، وذلك من خلال تبني الوسائل البديلة لإنهاء الخلافات الأسرية وجبر الأضرار الناجمة عنها، وتطويرها وتقنينها ومأسستها، وتجاوز معوقاته  التي عرفتها الأنظمة القضائية عبر العالم.

كما أن الشريعة الإسلامية بدورها اهتمت بكل وسيلة من شأنها أن تقطع دابر المنازعات، وتنهي الخصومات، وتؤدي إلى نشر المحبة والمودة والرحمة  بين أفراد المجتمع،

فغاية الشريعة الإسلامية  تقليل فرص النزاع قبل حدوثه، وإنهائه بعد وقوعه.

ولا يمكن الحديث عن حياة إنسانية مستقرة ناجحة ، دون الحديث عن أسرة متماسكة متكاملة مترابطة,

وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها وتعاطفها وتراحمها,  يقوم تماسك المجتمع وقوته وتماسكه وتعاطفه وتراحمه,

فالأسرة هي نواة المجتمع, وهي اللبنة الأولى من لبناته, التي إن صلحت صلح سائر المجتمع، وإن فسدت فسد سائر المجتمع, وهي بوابة التكاثر البشري، وسر بقاء الإنسان واستمراره، وهي الموجه للسلوك، المحقق للاستقرار، ولكي يستقر المجتمع فلابد من استقرار الأسرة, ولكي تستقر الأسرة, لا بد من الحفاظ على الوسائل التي تساعدنا عن استقرارها,

ومن بين تلك الوسائل, الوساطة الأسرية والإجتماعية, وللحديث عن هذا الموضوع فقد اعتمدت أربعة محاور أساسية.وهي كالآتي,

المحور الأول  :     مفهوم الوساطة الأسرية ومشروعيتها

المحور الثاني :     الجذور التاريخية للوساطة في الأعراف والتقاليد المغربية

المحور الثالث :    خصائص الوساطة الأسرية  وشروطها

المحور الرابع :   رهان إدماج الوساطة وتقنينها داخل القانون المغربي

 

المحور الأول:    مفهوم الوساطة الأسرية ومشروعيتها.

تعتبر الوساطة الأسرية إحدى الطرق البديلة  لفض المنازعات الأسرية، بإسناد الأمر لشخص محايد من أصحاب الخبرة والنزاهة والكفاءة، بمساعدة أطراف النزاع، على تقريب وجهات نظرهم، عن طريق التفاوض، بطابع ودي قائم على التوافق والحوار، بعيداً عن إجراءات أو المساطير القضائية المعقدة،

وقيل هي عملية بناء أو إعادة بناء للروابط العائلية، بتدخل شخص ثالث هو الوسيط، الذي لا يملك سلطة اتخاذ القرار، وذلك عن طريق تنظيم اجتماعات سرية، يسعى من خلالها إلى استعادة التواصل والثقة بين الأفراد، للوصول إلى اتفاق ينهي خلافاتهم الأسرية، ونزاعاتهم الشخصية،

من خلال هذه التعاريف، يتبين أن الوساطة تستلزم حضور أطراف النزاع، ومشاركتهم في الحوار، إذ يُمنح لكل طرف فرصته للتعبير عن وجهة نظره، ويبذل الوسيط جهده في تقريب وجهات نظر الأطراف وذلك بالاستعانة بكفاءاته ومؤهلاته العلمية،

ولقد حرص الإسلام، على كل ما من شأنها أن يقطع المنازعة، وينهي الخصومة، ويؤدي إلى نشر المحبة والمودة بين أفراد المجتمع، وذلك بإحلال الوفاق محل الشقاق, والقضاء على البغضاء بين المتنازعين،

ولقد وضع القرآن الكريم  أقوم المناهج لتحقيق هذه الغاية، وذلك بتأكيده على إغلاق باب المنازعات والخصومات،  وفتح باب التوافق  والتآلف، والحوار،

وقد وردت آيات كثيرة تدل على نفس المعننى من الوساطة والصلح والتحكيم,

مثل قوله تعالى, في سورة النساء,

﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾ [النساء: 35

وقوله أيضا في نفس السورة

﴿ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا ﴾ [النساء: 85

وقوله , ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾ [النساء: 128، 129].

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإصلاح بين الناس أفضل بمن تطوع للصيام والصلاة والصدقة,

روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : صَلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ ) قَالَ الترمذي : وَيُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنَّهُ قَالَ : ( هِيَ الْحَالِقَةُ . لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ ), رواه أبو داود .

وروي عن عمرو بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله قال, الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا حرم حلال, أو أحل حراما،

وقد أجاز النبي صلى الله عليه وسلم الكدب في الإصلاح بين الناس حيث قال,( لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا )

ويظهر من خلال هذه النصوص أن الصلح والوساطة كمبدأ وسلوك، أمر راسخ ومتجذر في الثقافة الإسلامية،

غير أن الحديث عن مؤسسة الوساطة بمفهومها وبمقارباتها المتعددة التي آلت إليها بفعل التطور الذي عرفته عبر مراحل، وإن لم يكن واضحا في تراث الفقه الإسلامي بالشكل المطلوب، إلا أنه عرف ما تهدف الوساطة إلى تحقيقه وهو الصلح، الذي يشكل قاعدة من القواعد العامة التي يحث عليها الإسلام عند قيام أي نزاع بين الأفراد والجماعات.

مما يجعل الوساطة أصلا متجذرا في الشريعة الإسلامية،  تستمد قوتها  ومشروعيتها من مشروعية الصلح ذاته,

وكلّهم من رسول الله ملتمس … غرفا من البحر أو رشفا من الدّيم

المحور الثاني: الجذور التاريخية للوساطة في الأعراف والتقاليد المغربية

تعتبر الوساطة قديمة قدم البشرية, مند أن خلق الله البشر قبل مجيء الإسلام كانت في الحضارة اليهودية, وكانت في الحضارة المسيحية, وحتى الديانات المسيحية كانت تجعل المسيح وسيطا بين الله وبين الناس,

وقد نشأ مصطلح الوساطة في الولايات المتحدة الأمريكية حييث أن من أصل لمصطلح الوساطة هو الكاتب الامريكي

<إكر سطوفون  مورو> صاحب كتاب عملية الوساطة وقد طرجم هدا الكتاب لللغة العربية وقد تحدث فيه عما يتعلق بالوساطة ودورها في ما يتعلق بالنزاعات  وخاصة النزاعات الأسرية  بين الزوج وزوجته والأقاريب والجيران,

المرجعيات الدستورية والقانونية للوساطة,

نص الفصل 32 من الدستور المغربي على أن الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي, هي الخلية الأساسية للمجتمع, وأن من واجب الدولة العمل على ضمان الحماية الحقوقية والإجتماعية والإقتصادية للأسرة  بمقتضى القانون, بما يضمن أيضا  وحدة استقرار الأطفال بكيفية متساوية  بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية, كما نص الدستور أيضا على إحداث مجلس استشاري للأسرة والطفولة,

البرنامج الحكومي للأسرة

يهدف البرنامج الحكومي  لسنة 2012,  و 2016  إلى تقوية وحماية الأسرة ودلك من خلال وضع سياسة أسرية مندمجة, تحرص على تماسك الأسرة وتعزيز أدوارها الوقائية والنهوض بخدمات الوساطة الأسرية ودعمها عن طريق تشجيع وخلق مبادرات وجمعيات للقرب, العاملة في المجال الأسري, للحفاظ على كيان الأسرة,

المرجعية القانونية للوساطة

تستمد الوساطة الأسرية مرجعيتها من العديد من المقتضيات القانونية كمدونة الاسرة وقانون المسطرة المدنية, والميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة وغيرهم,

فقد تضمنت مدونة الأسرة مؤشرات  لتفعيل الوساطة في مجال قضاء الأسرة   بحيث ورد في دباجتها تعزيز اليات التوفيق والوساطة بتدخل الأسرة والقاضي,    كما تضمنت في العديد من موادها كالمادة 81 و 82 و 83  مقتضيات تسمح باللجوء للصلح بما فيها انتداب حكمين أو مجلس العائلة أو من تراه مؤهلا لإصلاح دات البين.

أما قانون المسطرة المدنية, فقد تم إدماج نظام الوساطة في هدا القانون  من خلال القانون رقم,05,08 المعدل للباب الثامن منه, وقد نص الفصل 55,327 منه على أنه, يجوز للأطراف, الإتفاق على تعيين وسيط يكلف بتسهيل إبرام صلح ينهي النزاع بين الأطراف المتنازعة,

الميثاق الوطني حول إصلاح منظومة العدالة , نص الميثاق الوطني في إحدى توصياته على ضرورة مأسسة الوساطة الأسرية ,

قواعد العرف

أما فيما يخص قواعد العرف الإجتماعي،  فقد اكتسب المغاربة عبر هذا التاريخ الحافل ميولا طبيعيا إلى التوافق والتسامح والتزام الوسطية والإعتدال، ونبذ العنف والتطرف وعدم التنازع والتخاصم، وذلك في كل مناطق المغرب وجهاته,

أما فيما يتعلق بالوساطة الأسرية تحديدا، فإن المجتمع المغربي قد عمل بهذه الآلية، في فض النزاعات العائلية، حيث كانت تعرض الخصومات على قاضي الجماعة بشكل رضائي من طرف الزوجين، وبناء عليه فإنه يقوم بدور الوساطة وتسخير كل جهوده لقطع دابر الخلاف والحسم في النزاع,

ودلك باعتبار أن لهده  الوساطة عدة امتيازات وخصائص نذكر منها عن سبيل المثل لا الحصر,

المحور الثالث. خصائص الوساطة الأسرية وشروطها,

للوساطة الأسرية عدة خصائص. نذكر منها عن سبيل المثال لا الحصر,

❖ أولا: السرعــة

يلعب عامل الوقت الذي يتطلبه إيجاد الحل النهائي لأي نزاع دورا هاما في تحديد مدى نجاعة وفعالية نظام  الوسيلة البديلة المعتمدة لتسوية النزاعات، ولهذا نجد في مقدمة ما يؤاخذ عليه القضاء الرسمي للدولة المدة الطويلة التي يستغرقها الفصل في القضايا، حيث يبقى أطرافها رهائن لإجراءات بطيئة.

فالنزاعات العائلية والأسرية إذا لم تعالج بسرعة تصبح مستعصية وخارجة عن السيطرة أحيانا، وهو ما يؤدي إلى إلحاق أفدح الأضرار باستقرار الأسرة ومستقبل الأبناء.

ومن هنا تأتي أهمية الميزة التي تمتاز بها الوساطة، وهي سرعة الحسم في النزاع، والذي تتم تسويته في آجال قصيرة قد تكون قياسية في بعض الأحيان بحيث لا تتعدى ساعات معدودة.

وانطلاقا مما سبق يتجلى واضحا بأن السرعة في تسوية النزاعات تعتبر خاصية إيجابية في الوساطة الأسرية، تغري الأطراف باختيارها واعتمادها.

ثانيا: السرية

تتميز إجراءات الوساطة بالسرية التامة، وتعتبر هذه الميزة ضمانة هامة من ضمانات الوساطة، حيث يفرض أطراف النزاع على الوسيط الحفاظ على الأسرار التي راجت في جميع مراحل الوساطة، وبالرجوع إلى الفصل 66 – 327 من قانون المسطرة المدنية المغربية نجد أنه “يلزم الوسيط بوجوب كتمان السر المهني. إذ أن من شأن السرية تشجيع أطراف النزاع على حرية الحوار والإدلاء بما لديهم، من أقوال وإفادات، وتقديم التنازلات في مرحلة المفاوضات فهي تحافظ على الأسرار الخاصة والحميمية للأطراف، والتي يؤدي إفشائها أمام المحاكم إلى تعميق الخلاف وتأجيج النزاع

وتحافظ الوساطة على هذه السرية مهما كانت النتيجة سواء كانت إيجابية وانتهت بالتسوية الودية، أو كانت سلبية وتعذرت هذه التسوية. وهذه الميزة لا توفرها الدعوى القضائية، التي لها ميزة أخرى مناقضة لها تماما وهي العلنية.

❖ ثالثا: المرونــة

من أهم الخصائص التي تنفرد بها الوساطة الأسرية، تلك المرونة الكبيرة التي تميزها عن الدعوى القضائية، وتتجلى هذه المرونة في حرية اختيار الوساطاء من قبل الأطراف، وفي الحرية التامة التي يتمتع بها الوسطاء, فالوسيط الأسري لا يتقيد بأية شكليات مسطرية، ولا أية وسائل إثبات معينة

ومعلوم بأنه كلما كان الوسيط حرا طليقا من القيود والإجراءات  في التعقيد والشكليات، كلما كان بإمكانه الوصول إلى حلول توفيقية تحظى برضا الأطراف.

❖ رابعا: مشاركة الأطراف في حل النزاع

تتطلب الوساطة الأسرية الحضور الشخصي لأطراف النزاع ومشاركتهم في كافة أطوار الإجراءات، وهو ما يتيح لهم فرصة القيام بمكاشفة ومصارحة بعضهم البعض، ويمكنهم من تفريغ كل المؤاخذات المتبادلة، ومن تهدئة النفوس والخواطر ثم النفوذ إلى جوهر النزاع في جو أقل عدوانية إن لم يكن أخويا وحميميا في بعض الأحيان.

وحضور الأطراف ومشاركتهم بهذا الشكل، يتيح إمكانية حصر النزاع في أضيق الحدود أولا، وكذا فرصة تقديم عروض وتنازلات متبادلة، الشيء الذي يمهد الطريق إلى الوصول إلى حل ودي يرضي جميع الأطراف.

❖ خامسا: إنخفاض التكلفة

يلاحظ بأن الرسوم القضائية، وأتعاب المحامين، وأجور باقي مساعدي القضاء والتي ما فتئت تعرف ارتفاعا مستمرا أصبحت تشكل عبئا ثقيلا على المتقاضين.

ولهذا أصبح لزاما البحث عن بدائل لمواجهة كلفة الخدمات القضائية والسعي لتخفيضها، وهو ما تحققه الوساطة في حل النزاعات الأسرية والتي لا تستوفي أية رسوم عنها لفائدة الدولة، كما أن بعض الأنظمة القضائية توفر خدمات هذه الوسيلة بالمجان في مجال النزاعات الأسرية، وذلك بهدف الحفاظ على كيان الأسرة وضمان استقرارها،.

هنا تتجلى أهمية الوساطة, ولو لم تكن لها هده الأهمية الكبيرة لما حظيت بكل هذا الإهتمام الكبيرالذي وصفه البعض بالثورة في الميدان القضائي، وأن تجذب إليها أطراف الخصومات، وتصرفهم عن مساطر التقاضي أمام المحاكم,

ونظرا لأهمية الوساطة الأسرية، وتجذرها في المجتمع المغربي، فإن المغاربة على العموم، لا يزالون معنيون إلى يومنا هذا بالتزامها وممارستها والعمل بها،

 شروط صحة الوساطة الأسرية

يجب أن تتوفر في الوساطة عدة شروط منها ما هي شروط شكلية وأخرى موضوعية، حتى تحظى الوساطة الأسرية بصحتها.

الشروط الشكلية: فيما يتعلق باتفاق الوساطة

أن يكون اتفاق الوساطة مكتوباً

أن يتضمن مدة الوساطة وبيان تاريخ اتفاق الوساطة

أن يتضمن على أسماء المتخاصمين وصفاتهم

أن يتضمن اتفاق الوساطة على أسم الوسيط وعنوانه

أن يتم تدوين ما تم الاتفاق عليه بين الأطراف

أن يذيل اتفاق الوساطة بتوقيع الأطراف وتوقيع الوسيط

الشروط الموضوعية

.تتضمن الشروط الموضوعية على ما يلي

ضرورة تحديد موضوع النزاع وأسبابه

ضرورة تعيين الوسيط الذي تم الاتفاق عليه بين أطراف النزاع

في حال لم يتم تعيين الوسيط ضمن الاتفاق أو عقد الوساطة الاتفاقية يجب أن يكون التعيين لشخص مختص في موضوع النزاع

يجب أن يكون النزاع قابلاً للحل عن طريق الوساطة، حيث أن كل النزاعات التي يجوز فيها الصلح يجوز فيها الوساطة، ولا تجوز الوساطة فيما لا يجوز فيه الصلح. لأن غاية الوساطة كما أسلفنا هو الصلح

يشترط في عقد الوساطة أن يتفق الأطراف على إلزامية الحل الذي تتوصل إليه الوساطة، مع الإشارة في هذا المقام إلى أن نتائج الوساطة كي تتوج بالنجاح ليس بالضرورة أن تعيد العلاقة الزوجية إلى سابق عهدها فقط، بل قد ينتج عن الوساطة الاتفاق على الانفصال الآمن.

يجب أن يتم تحديد إجراءات الوساطة التي يتفق عليها أطراف النزاع حتى تكون ملزمة لهم، بحيث لا تكون هذه الإجراءات من ضمن تلك التي تقع حصراً ضمن صلاحيات القضاء.

 شروط صحة الوسيط

لابد أن يحظى الوسيط على عدة صفات منها ما هي متلازمة مع شخصيته ومنها ما تم اكتسابه من العلوم التي تلقاها، وأخرى سُقلت من خلال عمله وخبرته في هذا المجال. فالصفات الشخصية للوسيط نذكر بعض منها على سبيل المثال (الثقة بالنفس، الجدية، صبور وحليم، صاحب شخصية متوازنة، صادق وصريح، أمين وحافظ للسر، إيجابي ومتفائل، يتمتع بالذكاء ومرن في التعامل، صاحب تفكير منطقي ولديه بعد نظر …)، أما عن صفاته العلمية لابد للقائم على عملية الوساطة أن يكون من أصحاب الإجازة في العلوم القانونية أو الشرعية أو الاجتماعية والنفسية، شريطة إلمام غير القانونيين بكافة التشريعات المتعلقة بالأسرة حتى لا تهضم حقوق الأطراف.

لابد للقائم على عملية الواسطة أن يتمتع بالعديد من الصفات العملية التي تؤهله بأن يكون وسيطاً أسرياً محترفاً وهذه الصفات تتمثل فيما يلي.

أخلاقيات الوسيط: حيث لابد أن يتمتع الوسيط بأخلاق عالية، وأن تكون صحيفته الجنائية بيضاء، بمعنى أن يكون غير محكوم عليه بجناية أو جنحة أو أي جريمة مخلة بالشرف والأخلاق والأمانة. وأن يكون لديه شهادة باستمرار حتى يكون مؤهل للوساطة الأسرية حتى لا يتم الطعن بأهلية الوسيط ونزاهته

عقد النية لحل النزاع: يجب أن يكون الوسيط يتمتع بحسن النية واتجاه إرادته نحو حل النزاع، مصداقاً لقول الله عزوجل (إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما). وفي هذا المقام نتذكر الفاروق عمر بن الخطاب عندما بعث بحكمين لزوجين متخاصمين وعادا الحكمين دون أن يحلا النزاع، فغضب عمر حينها وقال كذبتما وصدق الله، لم تكن لديكما إرادة صادقة في الإصلاح ولو كانت تلك الإرادة لبارك الله في سعيكما، فعادا للزوجين وأحسنا النية وتلطفا بالزوجين فأصلحا بينهما

أن يكون الوسيط متخصصاً في مجال النزاع، لأن النزاعات الأسرية ليست على وتيرة واحدة، فهناك نزاعات اجتماعية وأخرى مالية، وإرثية إلى غير ذلك من المشكلات الأسرية.

أن يكون الوسيط لديه المؤهلات الضرورية والخبرة التي تلزم لعمل الوساطة، فلا يكفي أن يكون الوسيط متخصصاً في مجال النزاع، بل لابد أن يكون لديه القدرة على إدارته متسلحاً بمهارات التواصل وإدارة الحوار والتفاوض.

استقلالية الوسيط، حيث يشترط أن يكون الوسيط مستقلاً استقلالاً تاماً أثناء قيامه بمهام الوساطة، ولا يكون له أي علاقة تربطه بأطراف النزاع لا سابقاً أو لاحقاً، وألا تكون لديه مصلحة في هذا النزاع، أو أن يكون قدم استشارة في موضوعه.

وفي حال كان الوسيط يعمل لدى مؤسسة أو مركز متخصص في الوساطة، يجب أن يستقل في وساطته عن مصالح تلك المؤسسة أو المركز الذي ينتمي إليه، وأن يعمل بكل نزاهة وشفافية دون تأثير من أي جهة، حتى لا يكون مضطراً للخروج عن الحيادية في النزاع

المحور الرابع: رهان إدماج الوساطة وتقنينها داخل القانون المغربي

استطاعت الوساطة الأسرية اليوم أن تفرض وجودها نظرالما تحققه من عدة مزايا.

وهو الأمر الذي ساهم في إيجاد المناخ المناسب لإدماج الوساطة في قانون المسطرة المدنية باعتبارها وسيلة من الوسائل البديلة عن القضاء،

ولعلّ أول ما يستوقفنا هو ما جاء في الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الخريفية التي صادفت 10من أكتوبر 2003، والذي ذكر فيه جلالته ما يفيد الدعوة إلى اعتماد الوساطة الإتفاقية كآلية بديلة، لحل النزاعات الأسرية،  إذ ورد في الخطاب,

لقد توخينا في توجيهاتنا السامية لهذه اللجنة، وفي إبداء نظرنا في مشروع مدونة الأسرة، اعتماد الإصلاحات الجوهرية التالية,

ودكر منها جلالته, جعل الطلاق حلا لميثاق الزوجية يمارس من قبل الزوج والزوجة، كل حسب شروطه الشرعية، وبمراقبة القضاء،

وكانت تلك التوصيات السامية كلها تتعلق ببلورت تطوير الوسائل البديلة لفض النزاعات الأسرية,

ويبدو أن هذا الخطاب الملكي، قد دشَّن مرحلة جديدة، توجه فيها المشرع المغربي نحو الأخذ بالوساطة كآلية بديلة لحل النزاعات الأسرية، خاصة بعد أن تبين بأن سلوك مسطرة الصلح في قضايا الأسرة لم يفلح في حل النزاعات الأسرية بالشكل المطلوب، الأمر الذي استدعي ضرورة التفكير في طرق جديدة. لتسوية النزاعات الأسرية ومأسسة الوساطة في قضايا الأسرة,.

وهو ما قد أقدم عليه المشرع المغربي من خلال إدراج الوساطة في النظام القانوني من خلال القانون رقم 05-08 الخاص بالتحكيم والوساطة الإتفاقية،

ويبدو أن المشرع المغربي قد آثر نهج التدرج في بث ثقافة الوساطة ضمن القضايا المدنية، ومن ضمنها قضايا الأسرة على مراحل وخطوات تبتدئ بجعلها اختيارية وليست إلزامية, وإن كنا نرى أن الوساطة ينبغي أن تكون إلزامية, وبقوة القانون يلجأ إليها كل الأطراف المتنازعة للبحث عن حلول بديلة لفض نزاعاتهم بعيدا عن المساطير القضائية المعقدة, حينئد  يمكن للوساطة الأسرية أن تلعب دورا أساسيا في حل النزاعات الأسرية, وإعادة الدفء والود إلى العلاقات الزوجية العائلية  التي وصفها الله تعالى بالسكينة والمودة والرحمة، حين قال في سورة الروم <ومن أياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنو إليها وجعل بينكم مودة ورحمة>,

إلا أن هده المودة والرحمة التي تكلم عنها القرأن الكريم في غاية الزواج يبدو أنها قد تلاشت بسبب ما يعيشه المجتمع المغربي الأن, من تحولات بنيوية سلبية، في تنامي الخلافات الأسرية والإجتماعية بين أطراف المجتمع،

وهو ما تظهره جملة من المؤشرات السلبية  على المستويين الأسري والإجتماعي, ويتجلى دلك في وجود احصائيات مهولة, حيت عرف المغرب

أولا. ارتفاع كبير في نسبة انحلال ميثاق الزوجية، استنادا إلى إحصائيات رسمية حيث بلغت مجموع حالات الطلاق بأنواعه :الرجعي والإتفاقي وقبل البناء, إلى حوالي، 25942 حالة ، معظمها يتعلق بالطلاق الإتفاقي بما يقدر:17351 في حين ارتفعت معدلات حالات التطليق ومعظمها بسبب الشقاق من 33000 حالة سنة 2011 إلى أزيد من 49000 حالة  تطليق  سنة 2012، لتتراجع نسبيا إلى 46919 حالة تطليق سنة 2015  وهو أمر خطير جدا,

ثانيامحدودية أو فشل مؤسسة الصلح الأسري: حيث لا تتجاوز نسبة الإشهاد على الصلح في جميع قضايا الطلاق والتطليق عتبة 15% من مجموع القضايا المحكومة، ويرجع هذا التدني إلى عدة أسباب موضوعية, منها: كثرة القضايا الرائجة، وقلة القضاة المتفرغين والمتخصصين في إدارة عمليات التفاوض لإصلاح ذات البين، وعدم وجود فضاءات ملائمة، وأخرى ذاتية, تتعلق بنفسية الزوجين والتدخل السلبي للأسرة,

ثالثا, العنف الإقتصادي، ويظهر ذلك من خلال كثرة قضايا النفقة الرائجة بمحاكم المملكة وبقاء أزيد من 40 % منها بدون تنفيذ بسبب تهرب الملزمين بالإنفاق أو تماطلهم في الوفاء بالتزاماتهم المالية تجاه أسرهم,

رابعا, كثرة التوتر, بين الأزواج المنفصلين بسبب قضايا الحضانة، وما تعرفه من صعوبات في زيارة المحضون، أو حرمان المحضون من حقه في السكن والتمدرس والإضرار به معنويا ونفسيا وجسديا من قبل كل الأطراف المعنية بأمره,

خاتمة

وختاما لتفادي هده المؤشرات المدمرة للأسرة, لا بد من العمل الجاد والدءوب على تحقيق النقط التالية,

أولا: تقوية قدرة الأفراد والمؤسسات على حل النزاعات عن طريق التعاون

ثانيا: تطوير ثقافة الحوار عن طريق التقريب بين الفاعلين في المجتمع المدني والسلطات العمومية وكل وسائل الإعلام,

ثالثا: العمل على إحداث مؤسسات مغربية لإدارة الوسائل البديلة وتعزيز ثقة المواطن في حل النزاعات الأسرية, وكذا التواصل مع الأفراد المقبلين على الزواج ليصبحوا  قادرين على مساهمتهم الفعلية في حل خصوماتهم الزوجية الطارئة عليهم

في ظل هذه المؤشرات وغيرها، أضحى لزاما على المشرع المغربي تبني وسائل بديلة وفعالة لفض المنازعات الأسرية والإجتماعية؛ خاصة وأن التجارب الدولية والوطنية، أظهرت على  أن آلية الوساطة من أنجع الوسائل التي  تتماشى مع المجتمع,

ويبقى تحقيق هذا المقصد، رهينا بإدماج الوساطة في مدونة الأسرة, ضمن الآليات المرصودة للصلح، وذلك من خلال تأطير ممارسة الوساطة الأسرية في نصوص قانونية معيارية مفصلة وواضحة تخلو من أي غموض أو لبس,

كما يقتضي الأمر ضرورة تكاثف الجهود، من كل الأطراف الفاعلة, كالجهاز القضائي ومؤسسات الدولة، والمجتمع المدني وجهود الفاعلين في قطاع العدالة، والمؤسسات الرسمية الفاعلة في المجال، كالمجالس العلمية الجهوية والمحلية، والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني, على العمل التطوعي الجاد, وذلك بتوفيرهم مراكز الإستقبال والإستماع لمساعدة الأسر التي تعيش في وضعية نزاع، من خلال محاولة الوساطة الأسرية باعتبارها ألية بديلة وفعالة لفض المنازعات, ودلك لتفادي تراكم القضايا الكبيرة والصغيرة العالقة في المحاكم,

ويبقى نجاح هدا الأمر ببلادنا، أمر مرتبط بمدى تظافر كل هده الجهود المدكورة كل من موقعه، ومن هنا فإننا نحن بدورنا أيضا كطلبة باحثيين في ماستر الوساطة الأسرية والإجماعية بكلية الشريعة بفاس ندعو إلى إحداث وإنشاء أكبر عدد ممكن من مراكز لتكوين الوسطاء الأسريين، ضمانا لمواكبة دائمة للأسر بمختلف مكوناتها؛ و إحداث مراكز جهوية وإقليمية للوساطة الأسرية، خصوصا بالمحاكم والمجالس العلمية المحلية والجهوية، ودلك بتعاون مع مختلف الفاعلين في المجال، وإعطائها بعدا جهويا ومحليا، ووضع ضوابط لحماية ممارس الوساطة الأسرية، والعمل على توحيد آليات الوساطة الأسرية وإدماجها ضمن مقررات البحث العلمي والتعليم الأكاديمي الجامعي.

والله ولي التوفيق, والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته,

بعض المراجع المعتمدة في الموضوع.

الوساطة  في  تسوية  المنازعات:  دراسة  فقهية لعبد الله العمراني منشورات الجمعية العلمية القضائية،

السعودية، الرياض/ د.ت.ط

الوساطة الأسرية بالمغرب بين الواقع والآفاق للطالبة الباحثة: صالحة نعيمة، موقع المعلومة القانونية 2017م Alkanounia.info

أعمال المؤتمر الدولي “الوساطة الأسرية ودورها في الاستقرار الأسري” 2016، مطبعة أكدال، الرباط، ص:51

مقال بعنوان “دور الطرق البديلة لحل النزاعات في إصلاح القضاء وتأهيله لمواجهة تحديات العولمة”، لمحمد سلام، مجلة الملحق القضائي عدد 37 مطبعة دار السلام، الرباط، د.ت.ط.

مقال بعنوان: “مكانة الوسائل البديلة لحل المنازعات في النظام القضائي” لهشام الرشدي موقع دروس القانون. Coursdroit Arab. Com

المكتبة القانونية العربية، “الوساطة في ضوء القانون المغربي والمقارن 2017″، للدكتور محمد الخضراوي.

الوساطة القضائية كمبدأ إجرائي لحل المنازعات المدنية، لعيسى لحاق وسليمان النحوي مجلة، آفاق علمية المجلد: 11 العدد: 1 2019م ، ص: 60.

الوساطة في تسوية المنازعات: دراسة فقهية لعبد الله العمراني منشورات الجمعية العلمية القضائية، السعودية، الرياض/ د.ت.ط

انظر الفصل66-327 من قانون المسطرة المدنية، ومجلة الفقه والقانون العدد 21، يوليوز 2014 “الوسائل البديلة لتسوية النزاعات مدخل أساسي لإصلاح القضاء: التحكيم والوساطة” حميد الحاجي، ص: 80

[ المجلس القضائي الأردني www.jc.jo وموقع الهيئة الدولية للتحكيم والعلوم القانونية لصالحة نعيمة.

مجلة الملحق القضائي، مقال بعنوان: “دور الطرق البديلة لحل النزاعات في إصلاح القضاء وتأهيله لمواجهة تحديات العولمة” لمحمد سلام، عدد 37، مطبعة دار السلام، الرباط

العرف والعمل في المذهب المالكي ومفهومها لدى علماء المغرب لعمر الجيدي، الطبعة الأولى سنة 1982، ص: 218 فما بعدها.

محمد ناصر المتيوي المشكوري ومحمد بوزلافة، أشغال ندوة الطرق البديلة لتسوية المنازعات الأسرية، ص:189 فما بعدها.

زهور الحر، الصلح والوساطة الأسرية في القانون المغربي والمقارن، أشغال الندوة الجهوية الحادية عشر،  الني  نظمها المجلس الأعلى للقضاء يومي 01 و02 نونبر2007، ص: 142

 

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.