تم اليوم الاثنين بالرباط، تقديم خلاصات دراسة وطنية أعدها المجلس الوطني لحقوق الإنسان بتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان بالمغرب حول المبررات القضائية المعتمدة لتزويج الطفلات.
وتندرج هذه الدراسة ضمن برنامج عمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان الرامي إلى القضاء على تزويج الطفلات وتحديد الآليات الممكنة للحد من هذه الممارسة التي تمس برفاه الأطفال وحقوقهم.
وتهدف هذه الدراسة إلى مقاربة الإطار القانوني الوطني الناظم لتزويج الأطفال في ضوء المعايير الدولية وفهم المسار القضائي الذي تعرفه طلبات تزويج الطفلات إلى جانب تحليـل المبـررات التـي يعتمدهـا القضـاة في إصـدار الأذون المتعلقـة بتزويـج الطفلات، أو في الرفـض، و كذا معرفـة الوسـائل المتاحـة للقضـاة فـي معالجـة طلبـات تزويـج الطفلات، وخاصـة الخبـرة الطبيـة والاجتماعية.
وأوضحت الدراسة، التي أنجزت بمناسبة حملة 16 يوما من النضال ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي، أن تزويـج الطفـلات تحـول مـن اسـتثناء إلـى قاعـدة بسـبب ارتفـاع نسـب الاسـتجابة إلـى الطلبـات المقدمـة إلـى المحاكـم وهذا راجع إلى ضعف الضمانات القانونية المضمنة في مدونة الأسرة التي لم تحط تزويج الأطفال أو القاصرين بضمانات قوية.
وأكدت الدراسة أن غالبيـة قضـاة النيابـة العامـة غيـر متفرغيـن للقيـام بمهـام أقسـام قضـاء الأسـرة، حيـث يـزاول 76 بالمائـة منهـم مهاما أخـرى، إلى جانب القضايا المتعلقة بقسـم قضاء الأسـرة داخـل المحاكم العادية، بينما لا تتجاوز نسـبة القضـاة المتفرغين لمهـام الأسـرة 23 بالمائة.
وبخصوص البحث الاجتماعي، أكدت الدراسة أن حوالـي 30 بالمائـة مـن أفراد العينـة من المسـاعدين الاجتماعيين يحضرون لجلسـة الاسـتماع إلى الطفل بصفتهم مسـاعدين للقضـاء، بينمـا أكـد 70 بالمائـة منهـم أنهـم لا يحضـرون هـذه الجلسـات لانعـدام الأسـاس القانونـي لحضورهـم، ولعـدم التفـرغ، ولكـون دورهـم يبـدأ عنـد تكليفهـم مـن طـرف قضـاة الأسـرة بإنجـاز بحـث اجتماعـي، وغالبـا مـا يتـم ذلـك باسـتماعهم مـن جديـد للطفلـة للوقـوف علـى ظروفهـا الاجتماعيـة.
وفيما يتعلق بالخبرة الطبية، أكـد 76 بالمائـة مـن أفراد العينة أنه يتم الاكتفاء بالإدلاء بشـهادة طبية تفيد بأن الطفـلة قادرة على الـزواج، بينمـا أفاد 24 بالمائة من أفراد العينة باشـتراطهم الحصـول على تقرير مفصل.
كما سجلت الدراسة تفاوتا فـي إعمال السـلطة التقديرية للقضـاة بخصوص المبـررات المعتمـدة في تعليل طلبـات تزويـج الأطفـال، والمتمثلة إما في تزويج الطفلة مراعاة للتقاليد والأعراف أو في حالة اليتم وغياب الأب أو القرابة، وإما لأسباب اقتصادية لضمان مستوى عيش جيد أو لبلوغها “سن الزواج” الواقعي وليس القانوني أو تزويجها من مغتصبها في حالة الاغتصاب.
ورصدت هذه الدراسة الواقعة في جزأين، جزء أول يتعلق بالمعطيات الخاصة بالدراسة الميدانية وجزء ثان مرتبط بالمعطيات المتعلقة بالأحكام القضائية، مجموعة من الثغرات التي تشوب مدونة الأسرة علاقة بتزويج الأطفال، أهمها عدم تنصيصها على السن الأدنى للزواج وعدم إلزامية الجمع بين البحث الاجتماعي والخبرة الطبية، إلى جانب عـدم الزاميـة احتـرام مقتضيـات المادتين 20 و21 مـن مدونـة الأسـرة، وهو ما يتيح إمكانيـة الالتفـاف عليهـا مـن خـلال مسـطرة ثبـوت الزوجيـة (المـادة 16، والتـي تـم تمديـد نطاقهـا رغـم انتهـاء الأجـل القانونـي مـن خـلال قـرار محكمـة النقـض اعتمـادا علـى الفقـه المالكـي).
وبهذه المناسبة ، سجلت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، آمنة بوعياش، أن تقديم هذه الدراسة يأتي في سياق يتسم بدينامية ونقاش وطني حول مدونة الأسرة، وما تتوفر عليه المنظومة الوطنية من آليات وطنية للتظلم خاصة بالأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل.
كما أكدت السيدة بوعياش، في كلمة لها خلال اللقاء أن الدراسة، تقدم اعتبارات قانونية لظاهرة تزويج الطفلات تفيد مجالات تدخل المجلس عبر 3 مستويات، الأول معياري مفاهيمي سيمكن من فهم المسار القضائي لتزويج الطفلات، والثاني ترافعي، “سيمكن من إعطاء دفعة لعملنا الترافعي كمؤسسة وطنية لحقوق الإنسان تصبو لجعل قوانيننا الوطنية تتلاءم مع الصكوك الدولية لحقوق الإنسان”، والثالث يتجلى في إذكاء الوعي الحقوقي وإعادة النظر في المعايير الاجتماعية الحمائية للطفولة.
وشددت السيدة بوعياش على ضرورة تحيين هذه الدراسة الأولية وجعلها دراسة دينامية، كما هو الشأن مع مفهوم المصلحة الفضلى للطفل، أي أن تكون موضوع اشتغال وتتبع وتحيين متواصل.
أما ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في المغرب لويس مورا، ، فأكد على أهمية توحيد الجهود لوضع حد لهذه الظاهرة التي تطال عددا كبيرا من الطفلات عبر العالم.
وأضاف أن هذه الدراسة التي جاءت في إطار تعاون مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان من شأنها أن تقدم رؤية واضحة حول المبررات القضائية المعتمدة لتزويج الطفلات في المغرب، مؤكدا أن الدراسة تقدم توصيات مهمة لملاءمة الإطار التشريعي الوطني مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها مراعاة للمصلحة الفضلى للطفلات.
قم بكتابة اول تعليق