الجيل الجديد من المسرح المغربي له خصوصيته وتفرده واجتهاداته وهويته الخاصة

– اعتبر الكاتب والناقد المسرحي السيد محمد لعزيز، أن الجيل الجديد من المسرح المغربي هو ابن شرعي لتراكمات تاريخية، دون أن ينفي هذا، الكلام عن خصوصيته وتفرده واجتهاداته التي تمنحه هوية خاصة.

وأوضح لعزيز، الذي له كتابات عديدة في مجال الفن الرابع، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الأجيال الجديدة في مجال الفن الرابع، التي خرجت من معطف المسرح الهاوي بالمغرب، تسلحت بقناعات فنية وجمالية وبمنطلقات علمية وفكرية، كانت سببا مباشرا في الصراع الفكري والنظري والإبداعي الكبير الذي تراكم خلال عقد السبعينيات عبر إصدار بيانات وما رافقها من سجالات وصراعات فكرية وفنية بين جيل الهواة بتوجهاته المختلفة .

وحسب لعزيز، فقد أعطى هذا الصراع دفعة قوية لدخول منعطفات مسرحية جديدة على جل مستويات الممارسة، لعل أهم مياسمها هو الشغف اللامحدود بالمسرح في المغرب، تعددت بموجبه الإنجازات وتنوعت التراكمات.

وبخصوص ظهور مسرح جديد مع شباب خريجي المعاهد المتخصصة، قال إن هذا الأمر ” مقبول من وجهة نظر نسبية “، مشيرا إلى أن المسرح المغربي، منذ تسعينيات القرن الماضي، بدأ يعرف انعطافة مهمة ، غير أن ” الحديث عن مسرح جديد كل الجدة أمر مردود، لأن الحديث عن مسرح جديد لا يستقيم من الوجهة التأريخية للفنون بشكل عام وللمسرح بشكل خاص وللمسرح المغربي بشكل أخص، لأن المنتوج خلال هذه الفترة هو امتداد طبيعي لما حدث خلال النصف الثاني من القرن العشرين “.

وتابع أن ما يعيشه المسرح المغربي في الوقت الراهن، هو امتداد للأبحاث والنقود والترجمات والاقتباسات والاستنباتات التي عرفت فيما قبل، لافتا إلى أن التحولات الجديدة التي شهدها المسرح المغربي هي نتيجة لما مر تحت الجسر منذ نهاية الثمانينيات، حيث بدأ الانسلاخ التدريجي من الكتابة الدرامية إلى الكتابة السينوغرافية، ومن التمثيل إلى المسرح والحوار ومن اللغة إلى الحركة والفعل، ومن الدراما إلى ما بعد الدراما.

وفي سياق متصل قال إن واقع الممارسة الحديثة يظهر أن كل الأمور يجب أن تناقش بنوع من النسبية، ف” الجديد في مسرحنا يتجلى في العديد من جوانب الظاهرة المسرحية “، مشيرا إلى أن تجربة التأليف الدرامي أو الكتابة الدرامية، استطاعت أن تخط لنفسها مسارها الخاص، وتحقق بعض الخصوصية الجمالية والفكرية، وذلك بالرغم من أن المؤاخذات في شأنها لاتزال تواكب المسرح المغربي حتى الوقت الراهن .

واعتبر أن التراكم الكمي والنوعي لما تمت كتابته قبل ربع القرن الأخير، والجهود التي عبرت عنها إنجازات الكتابتين الدرامية والركحية ، مثلت كلها السند القوي للإنتاجات اللاحقة، و” مع أن الممارسات المسرحية الجادة والطلائعية تتقوى وتتكاثر مقارنة مع ما كان عليه الحال قبلا، إلا أنها لا تظهر إلا عبر محطات زمنية متباعدة نسبيا، ومع ذلك فقد فرضت ذاتها، ووسعت من قاعدتها في خضم إنتاج ضعيف القيمة، واجتراري النسق، خصوصا في المدن الكبرى، حيث المسرح التجاري يجثم على أغلب قاعات العروض مكرسا الضحالة الفكرية، وفجاجة الشكل، وسطحية المضامين “.

وأضاف أن تلك الممارسات الطلائعية ما فتئت تكرس ثقافة مسرحية مغربية، تملك نوعا من الوعي الجديد، الذي بدأ يأخذ طريقه في التبلور بموجب عملية الخلق المتواصل، الذي يساهم فيه جيل مدرك لحقيقة الممارسة، والتحولات السياسية والاجتماعية المغربية ، مع وعيه بالمسؤولية في جعل المسرح ممارسة اجتماعية منغمسة في اليومي للإنسان المغربي.

ولعل الساحة المغربية في مجال الكتابة الدرامية، يضيف لعزيز، تعرف تلاقح أجيال مختلفة، إذ لا يزال جيل الرواد يبدع ولا تزال إنتاجات جيل عبد الكريم برشيد والمسكيني الصغير تبدع إلى جانب ابداعات محمد قاوتي ومحمد بهجاجي والزبير بن بوشتى وبوسرحان الزيتوني وشكير عبد المجيد ويوسف فاضل وفوزي بنسعيدي إلى جانب الأجيال الجديدة زمنيا التي ما فتئت تظهر وتختفي قبل أن يستوي عودها وتفرض ذاتها .

وحسب هذا الناقد، فقد سعت الأعمال الدرامية المغربية الحديثة إلى ” إزالة الأقنعة، راسمة لذاتها مسارب، وغايات برؤى تعيد صياغة ذاتها، لتبدأ الأسئلة الأشد ارتباطا بالواقع، ومقصية بذلك كل الثوابت والمسلمات التي ركنت الواقع المسرحي، والواقع اليومي العادي ضد كل القوى التي تريد الحفاظ على المصالح والمواقع “.

ومن النماذج الحديثة في هذا المجال، التي حددها لعزيز، تلك الكتابات التي التفتت إلى التاريخ المغربي من أجل تعرية التناقضات القائمة في الواقع المغربي، وغيرها من النماذج التي تجتمع لتشكل الكتابة الدرامية المغربية، ولعل هذا هو ما يعطي للمسرح المغربي تنوعات كثيرة داخل الوحدة ، ومسارات متباينة تشكل في مجملها المسرح المغربي بتلاوينه المختلفة .

وبخصوص المنجز فوق خشبات المسرح، لفت إلى أن العروض المغربية بدأت تعرف مشاركة المتخصصين التقنيين، في كافة مناحي الممارسة ومجالاتها، من موسيقى، وسينوغرافيا، وملابس، وإضاءة .. وغيرها، الأمر الذي حول فضاء بعض الأعمال إلى مجال للمتعة البصرية، والفكرية.. كل ذلك يتم في قوالب فنية، وأبعاد جمالية تقوم على تجسير العلائق بين كل المتدخلين في الفعل المسرحي من جهة، وبين الإبداع والواقع المغربي من جهة ثانية.

وأكد أن هذه العملية تجسد رغبة المسرحيين المغاربة القوية في توطيد الخصوصية الجمالية، الأمر الذي جعل المسرح المغربي المعاصر” يتوسل بكل الأشكال الممكنة التي تسمح بنقد الواقع، وتعريته، وكشف زيفه، وهذا ما تطلع به علينا بين الفينة والأخرى أعمال مسرحية تعتمد على أشكال مختلفة كالحلم، والجنون، واستغوار التاريخ وبعث الماضي، والزواج الدرامي بين المتناقضات “.

وينهض بهذه المهمة ، كما قال ، جيل يضم كوكبة من السينوغرافيين والمخرجين الجدد منهم عبد المجيد الهواس وبوسلهام الضعيف وحسن هموش وجواد السنني ويوسف العرقوبي وأمين ناسور وأمين غوادة ، واللائحة طويلة ، مبرزا أن كل هؤلاء وغيرهم من جيل الهواة يضخون دماء جديدة في قاعات مسرحية ” لا تتوفر فيها الشروط الضرورية، أو لم تعد أدواتها تفي بالحاجة بحكم اتساع أدوات الاشتغال وبحكم دقة الأعمال واتساع الرؤى “.

وبشأن الاختلاف والتباين بين المسرحيين المغاربة، لفت إلى أن المستويات المعرفية والفنية والجمالية للمبدعين المغاربة ورؤاهم الجمالية مختلفة ، ومستواهم الفكري والفلسفي متباين ، ” لذلك تجد أن مسرحنا أشتات من المسارح فيه التجاري ومسرح الشارع والمسرح التجريبي والمسرح السياسي والرمزي بحسب رؤى ومرجعيات المبدعين وثقافتهم الفنية ” .

وقال أيضا، إن ما تجب الاشارة إليه أن جيلا جديدا من المسرحيين المغاربة ، الذين يبدعون باللغة الأمازيغية ، يبسطون في مسرحهم وجهات نظر جديدة على مستوى الكتابتين النصية والركحية ، مشيرا إلى ظهور أجيال جديدة طرقت مواضيع الذات والحقيقة الذاتية والاغتراب الزماني والمكاني والوجودي والهوياتي كمواضيع مسرحية ضمن أخرى سمحت بمقاربة وملامسة الذات الأمازيغية عن قرب بما هي كينونة يلفها وجودها الخاص .

وسجل من جهة أخرى ، أنه منذ تسعينيات القرن العشرين، انصرف اهتمام القائمين على الشأن المسرحي إلى الأسئلة الهيكلية والتشريعية للمؤسسة المسرحية والذي فرضته جملة من المتغيرات منها هذه الأفواج الجديدة من المسرحيين الشباب سواء الذين تخرجوا من الجامعات والكليات المغربية والأجنبية أو من المعاهد الفنية، وعلى رأسها المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، الأمر الذي اقتضى بناء القاعات المسرحية الصغيرة والمتوسطة في المدن الكبرى والصغرى، وتلك التي شرع في بنائها من الحجم الكبير مثلما أنجز في مدينة وجدة وينجز في البيضاء والرباط وطنجة.

وتابع أن هذا الأمر يجلي حقيقة واحدة هي الحاجة إلى بنيات تحتية تتوفر فيها مواصفات “المسرح” كفضاء صالح للممارسة الفنية، وإلى فرق مسرحية قارة مسترسلة الإنتاج لخلق الدينامية المسرحية النشيطة والدائمة،” مشيرا إلى أن ” حاجة المغرب إلى مسارح حقيقية لاتزال مطلبا ملحا على مستوى البنايات ، وفي حاجة أكثر الحاحا لتصويب الوضع المختل الذي يجعل هذه الفضاءات تستعمل في أغراض سياسية وحزبية ضيقة تتحول فيها تلك الفضاءات إلى قلاع لاعلاقة لها بالمسرح في الكثير من الأحيان “.

ودعا في الختام ” القائمين على أمور الثقافة – وأنا هنا لا أقصد وزارة الثقافة وحدها بل كل الدوائر المسؤولة في هذا البلد ، بشكل عام وشؤون المسرح بوجه خاص – إلى تسطير استراتيجية واضحة المعالم محددة الأهداف وإشراك الفاعلين الحقيقيين في الميدان من أجل القطع مع الارتجالية والعشوائية في التدبير والمحسوبية الادارية كي يستمر شباب المغرب في ابداع مسرح عال القيمة ومتميز الجودة “.

وذكر في هذا السياق أن المسؤولية التي ينهض بها الشباب المغربي أثمرت الفوز بجوائز لها قيمة على المستوى العربي، لافتا إلى أن بعض الإنتاجات الوطنية تضاهي نظيراتها عالميا.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.