محمد‭ ‬بنحمو : لا يمكن هزيمة الإرهاب إلا بالعمل الجماعي

سلط‭ ‬رئيس‭ ‬المركز‭ ‬المغربي‭ ‬للدراسات‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬محمد‭ ‬بنحمو‭ ،‬في حوار مع مجلة (باب) التي تصدرها وكالة المغرب العربي للأنباء شهريا،‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬النموذج‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬الذي‭ ‬أظهر‭ ‬فعاليته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تفكيك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الخلايا‭ ‬الإرهابية.‬ ويعزى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬اعتماد‭ ‬مقاربة‭ ‬متفردة‭ ‬متعددة‭ ‬الأبعاد‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬شبح‭ ‬الإرهاب‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬مستمرا‭ ‬يطارد‭ ‬جميع‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬ويهدد‭ ‬الأمن‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭.‬

‬تنبني‭ ‬مقاربة‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬الإرهاب‭ ‬على‭ ‬الاستباقية‭ ‬باعتبارها‭ ‬الجزء‭ ‬المحوري‭ ‬من‭ ‬استراتيجيته‭ ‬لمكافحة‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة،‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬وصف‭ ‬هذه‭ ‬المقاربة‭ ‬وما‭ ‬مدى‭ ‬نجاعتها؟

تنبني‭ ‬مقاربة‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬استراتيجية‭ ‬حقيقية‭ ‬شمولية‭ ‬لمكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتصدي‭ ‬للتطرف‭ ‬وإبعاد‭ ‬شبح‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬الإرهابية‭ ‬عن‭ ‬البلاد‭. ‬ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المقاربة‭ ‬الاستباقية‭ ‬أظهرت‭ ‬نجاعتها‭ ‬التي‭ ‬يُشهد‭ ‬لها‭ ‬عالميا‭ ‬بنتائج‭ ‬هامة،‭ ‬جعلت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬تسعى‭ ‬الى‭ ‬طلب‭ ‬الخبرة‭ ‬التي‭ ‬راكمها‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬تجربته‭.‬

ويعتمد‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬مقاربة‭ ‬متعددة‭ ‬الأبعاد‭ ‬تقوم‭ ‬أساسا‭ ‬على‭ ‬إزالة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭ ‬بيئة‭ ‬حاضنة‭ ‬للتطرف،‭ ‬حيث‭ ‬تستند‭ ‬هذه‭ ‬المقاربة‭ ‬على‭ ‬ثلاث‭ ‬ركائز‭ ‬متينة‭. ‬تتجلى‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬الفقر‭ ‬وتحسين‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬للفئات‭ ‬الهشة‭ ‬التي‭ ‬حاولت‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬مضى‭ ‬التنظيمات‭ ‬المتطرفة‭ ‬استغلال‭ ‬ظروفها‭ .‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬حصيلة‭ ‬المبادرة‭ ‬الوطنية‭ ‬للتنمية‭ ‬البشرية‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬للفئات‭ ‬الفقيرة‭ ‬وتضييع‭ ‬الفرص‭ ‬أمام‭ ‬التنظيمات‭ ‬المتطرفة‭ ‬التي‭ ‬تستغلها‭ ‬لنشر‭ ‬أفكارها‭ ‬ونموها‭ ‬لتصبح‭ ‬ممارسات‭ ‬إرهابية‭ ‬تهدد‭ ‬أمن‭ ‬الناس‭.‬

وتكمن‭ ‬الركيزة‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬الحقل‭ ‬الديني‭ ‬التي‭ ‬تمت‭ ‬صيانته‭ ‬بشكل‭ ‬عميق،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬للمساجد‭ ‬وإغلاق‭ ‬كل‭ ‬الأماكن‭ ‬العشوائية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬توظف‭ ‬كأماكن‭ ‬للعبادة،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تليق‭ ‬بكرامة‭ ‬المصلين‭ ‬وبما‭ ‬يمثله‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬كعقيدة‭ ‬مقدسة‭. ‬وقد‭ ‬تمت‭ ‬إعادة‭ ‬تأهيل‭ ‬الأماكن‭ ‬المخصصة‭ ‬لإقامة‭ ‬شعائر‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬من‭ ‬جوامع‭ ‬ومساجد‭ ‬محددة‭ ‬ومعروفة‭. ‬كما‭ ‬تم‭ ‬أيضا‭ ‬تجديد‭ ‬الخطاب‭ ‬الديني‭ ‬بمراجعة‭ ‬مضامينه‭ ‬في‭ ‬خطب‭ ‬الجمعة،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬خطب‭ ‬تستخدم‭ ‬الدين‭ ‬كذريعة‭ ‬للسياسة‭ ‬أو‭ ‬تتخذه‭ ‬مطية‭ ‬لخدمة‭ ‬الخطاب‭ ‬الأيديولوجي‭. ‬وبالتالي،‭ ‬يروم‭ ‬هذا‭ ‬التجديد‭ ‬تحصين‭ ‬المساجد‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬استغلال‭ ‬وأدلجة‭ ‬للدين،‭ ‬مع‭ ‬ترسيخ‭ ‬الأمن‭ ‬الروحي‭ ‬للمواطنين‭ ‬ومحاصرة‭ ‬عقائد‭ ‬التطرف‭. ‬

ومن‭ ‬أهم‭ ‬محطات‭ ‬إعادة‭ ‬الهيكلة،‭ ‬عملية‭ ‬تكوين‭ ‬الأئمة‭ ‬المرشدين‭ ‬والمرشدات‭ ‬التي‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬والتشدد،‭ ‬وجعلت‭ ‬الأئمة‭ ‬يستفيدون‭ ‬من‭ ‬تكوين‭ ‬متين‭ ‬حول‭ ‬مفاهيم‭ ‬الإسلام‭ ‬السمح‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬إرساء‭ ‬قيم‭ ‬النص‭ ‬الديني‭ ‬على‭ ‬حقيقتها‭ ‬وبأبعادها‭ ‬الروحية‭ ‬المحضة‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬أساليب‭ ‬كانت‭ ‬تنتهج‭ ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬حينما‭ ‬كان‭ ‬أشخاص‭ ‬ينصبون‭ ‬أنفسهم‭ ‬أئمة‭ ‬على‭ ‬الناس‭. ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك،‭ ‬توصف‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬التأطيرية‭ ‬بالناجحة‭ ‬نظير‭ ‬ما‭ ‬تلقاه‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬طلبات‭ ‬للتعاون‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬ترسل‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬وعظاها‭ ‬وأئمتها‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭ ‬للتكوين‭ ‬والتدريب‭.‬

وتتمثل‭ ‬الركيزة‭ ‬الثالثة‭ ‬في‭ ‬الحكامة‭ ‬الأمنية‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬الجواب‭ ‬الآني‭ ‬والمستعجل‭ ‬على‭ ‬التهديد‭ ‬الإرهابي،‭ ‬إذ‭ ‬تطورت‭ ‬قدرات‭ ‬وخبرات‭ ‬المصالح‭ ‬الأمنية‭ ‬المغربية‭ ‬بشكل‭ ‬مهم‭ ‬وأصبحت‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬ورصد‭ ‬ومواجهة‭ ‬تهديدات‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬خطة‭ ‬استباقية‭ ‬للظاهرة‭.‬

ومنذ‭ ‬البداية‭ ‬لم‭ ‬يعط‭ ‬المغرب‭ ‬جوابا‭ ‬وحيدا‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الخطر‭ ‬الإرهابي‭ ‬معتمدا‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬خبرته‭ ‬الأمنية،‭ ‬وإنما‭ ‬اعتمدت‭ ‬فلسفة‭ ‬وروح‭ ‬وذكاء‭ ‬مقاربته‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬الإرهاب‭ ‬على‭ ‬الاشتغال‭ ‬بالوقاية‭ ‬من‭ ‬أفكار‭ ‬التطرف‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تأهيل‭ ‬الحقل‭ ‬الديني‭ ‬وإطلاق‭ ‬مشاريع‭ ‬تنموية‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬موجهة‭ ‬للمناطق‭ ‬المهمشة،‭ ‬مع‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬المدى‭ ‬القريب‭ ‬على‭ ‬تفكيك‭ ‬الخلايا‭ ‬الإرهابية‭.‬

تستعرضون‭ ‬في‭ ‬كتابكم‭ ‬الصادر‭ ‬حديثا‭) ‬استراتيجية‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬التصدي‭ ‬للإرهاب) ‬تنامي‭ ‬التهديدات‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬الامتداد‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬للمغرب‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬والصحراء‭ ‬وغرب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬للمغرب‭ ‬فعله‭ ‬لمواجهة‭ ‬هذا‭ ‬التنامي؟

نعلم‭ ‬للأسف‭ ‬أن‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬والصحراء‭ ‬تشكل‭ ‬منطقة‭ ‬رخوة‭ ‬وبؤرة‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الخلايا‭ ‬الإرهابية،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تعد‭ ‬منطقة‭ ‬رمادية‭ ‬نظرا‭ ‬لأراضيها‭ ‬الشاسعة‭ ‬والقاحلة‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬بيئة‭ ‬حياتية‭ ‬صعبة‭ ‬على‭ ‬المواطنين‭. ‬وتواجه‭ ‬بلدان‭ ‬المنطقة‭ ‬صعوبة‭ ‬بالغة‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مجموع‭ ‬حدودها‭ ‬الترابية‭ ‬ومواجهة‭ ‬مختلف‭ ‬التحديات‭ ‬والهشاشات‭ ‬الأمنية‭ ‬المزمنة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بحالات‭ ‬تمرد‭ ‬أو‭ ‬بالتهديدات‭ ‬الإرهابية‭ ‬المتنامية‭.‬

وفي‭ ‬السياق‭ ‬ذاته،‭ ‬تعتبر‭ ‬المنطقة‭ ‬ملاذا‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬التنظيمات‭ ‬الارهابية‭ ‬التي‭ ‬انكفت‭ ‬إليها‭ ‬لتعيد‭ ‬هيكلة‭ ‬وتوطيد‭ ‬قواعدها‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬مخططات‭ ‬القتل‭ ‬والتخريب‭. ‬وقد‭ ‬استفادت‭ ‬التنظيمات‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬جائحة‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬التي‭ ‬فرضت‭ ‬على‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬الصحي‭ ‬وترتيب‭ ‬أوضاعها‭ ‬الداخلية‭ ‬مما‭ ‬فتح‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬هذه‭ ‬التنظيمات‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬كان‭ ‬تهديدها‭ ‬مباغتا‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬آليات‭ ‬فعالة‭ ‬للوقاية‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬الإرهابية‭.‬

واعترافا‭ ‬بكل‭ ‬إنجازات‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬واستراتيجيته‭ ‬الاستباقية‭ ‬المشهود‭ ‬بنجاعتها،‭ ‬تم‭ ‬عرض‭ ‬تجربته‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬الذي‭ ‬وقع‭ ‬مع‭ ‬المملكة‭ ‬اتفاق‭ ‬مقر‭ ‬يتعلق‭ ‬بإحداث‭ ‬مكتب‭ ‬برنامج‭ ‬بالمغرب‭ ‬لمكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتكوين‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬بما‭ ‬ﻳﺴﻬﻢ‭ ‬في‭ ‬ﺗﻀﺎﻓﺮ‭ ‬الجهود‭ ‬لمحاربة‭ ‬هذه‭ ‬الآفة‭.‬

ويعتبر‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬والصحراء‭ ‬بلدا‭ ‬مؤهلا‭ ‬ليكون‭ ‬محطة‭ ‬مواجهة‭ ‬مختلف‭ ‬التهديدات‭ ‬الارهابية‭ ‬المتنامية‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تشجيع‭ ‬التعاون‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭ ‬بغية‭ ‬مجابهة‭ ‬تهديد‭ ‬شمولي‭ ‬وعدو‭ ‬مشترك‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬السياسات‭ ‬الاستباقية‭ ‬وتبادل‭ ‬المعلومات‭. ‬ويعي‭ ‬المغرب‭ ‬بأن‭ ‬الإرهاب‭ ‬عدو‭ ‬لا‭ ‬يحترم‭ ‬الحدود‭ ‬الوطنية‭ ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬هزيمته‭ ‬إلا‭ ‬بالعمل‭ ‬الجماعي‭.‬

للمغرب‭ ‬قناعة‭ ‬ثابتة‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬بلد‭ ‬أن‭ ‬يخوض‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬بمفرده،‭ ‬فيما‭ ‬تصر‭ ‬الجزائر‭ ‬على‭ ‬تجاهل‭ ‬كل‭ ‬الدعوات‭ ‬الدولية‭ ‬إلى‭ ‬تكوين‭ ‬جهاز‭ ‬للتعاون‭ ‬الإقليمي،‭ ‬لماذا‭ ‬هذا‭ ‬الاصرار؟

المغرب‭ ‬بلد‭ ‬يتصرف‭ ‬بمسؤولية‭ ‬ورزانة‭ ‬وبراغماتية‭ ‬كبيرة‭ ‬ولديه‭ ‬مواقف‭ ‬ومبادئ‭ ‬ثابتة‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬أمنه‭ ‬وأمن‭ ‬جيرانه‭ ‬والمساهمة‭ ‬بكل‭ ‬روح‭ ‬المسؤولية‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭. ‬ولذلك‭ ‬كان‭ ‬المغرب‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬منفتحا‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬ولم‭ ‬يبخل‭ ‬أبدا،‭ ‬وهذا‭ ‬بشهادة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬عن‭ ‬تقديم‭ا ‬ﻟﺪﻋﻢ‭ ‬والمعلومات‭ ‬الاستخباراتية‭ ‬التي‭ ‬ساعدت‭ ‬دولا‭ ‬أوروبية‭ ‬وإفريقية‭ ‬على‭ ‬إفشال‭ ‬مخططات‭ ‬لعمليات‭ ‬إرهابية‭ ‬كانت‭ ‬تهدد‭ ‬أمنها‭ ‬وسلامة‭ ‬أراضيها‭.‬

وللأسف‭ ‬الشديد،‭ ‬الجارة‭ ‬الجزائر‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬حالة‭ “‬تيه‭ ‬استراتيجي‭” ‬وتعتقد‭ ‬بأن‭ ‬عدم‭ ‬انخراطها‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬تعاونية‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل‭ ‬سيكون‭ ‬له‭ ‬ضرر‭ ‬على‭ ‬المغرب‭. ‬وكأن‭ ‬منطق‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يضر‭ ‬بالمغرب‭ ‬هو‭ ‬نافع‭ ‬له،‭ ‬متناسيا‭ ‬أن‭ ‬التهديد‭ ‬الإرهابي‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬تهديدات‭ ‬أخرى،‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يواجه‭ ‬بروح‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المسؤولية،‭ ‬فنحن‭ ‬أمام‭ ‬مغرب‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الواحد‭ ‬والعشرين‭ ‬ويشرئب‭ ‬لعالم‭ ‬الغد،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬نظام‭ ‬جزائري‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يعيش‭ ‬أسير‭ ‬حقبة‭ ‬تاريخية‭ ‬مضت،‭ ‬منطويا‭ ‬داخل‭ ‬جليد‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭.‬

في‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬الأوروبية،‭ ‬نجد‭ ‬كتبا‭ ‬مبسطة‭ ‬موجهة‭ ‬للأطفال‭ ‬لمحو‭ ‬فكرة‭ “‬التطرف‭”‬،‭ ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬لإدخال‭ ‬هذه‭ ‬الوسيلة‭ ‬التعليمية‭ ‬في‭ ‬استراتيجية‭ ‬محاربة‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتطرف‭ ‬من‭ “‬جذوره‭”‬؟

وفقا‭ ‬للاتجاه‭ ‬الحالي،‭ ‬تحاول‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬أن‭ ‬تواجه‭ ‬جذور‭ ‬الارهاب‭ ‬بتجارب‭ ‬تكيفها‭ ‬بما‭ ‬يتوافق‭ ‬وأوضاعها‭ ‬الداخلية‭. ‬وبالتالي،‭ ‬هناك‭ ‬تجارب‭ ‬ناجحة‭ ‬تعطي‭ ‬نتائج‭ ‬ملموسة‭ ‬وأخرى‭ ‬عكس‭ ‬ذلك،‭ ‬لتبقى‭ ‬تلك‭ ‬النتائج‭ ‬خاضعة‭ ‬لخصوصيات‭ ‬كل‭ ‬بلد،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬يسعى‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬إيجاد‭ ‬الحلول‭ ‬واتباع‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬يراها‭ ‬مناسبة‭ ‬لوضعه‭. ‬ومن‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬يُنفذ‭ ‬كل‭ ‬ورش‭ ‬أو‭ ‬برنامج‭ ‬لمواجهة‭ ‬الارهاب‭ ‬داخل‭ ‬استراتيجية‭ ‬متعددة‭ ‬الأبعاد‭ ‬تمس‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات‭ ‬بنفس‭ ‬الأهمية‭ ‬وبأهداف‭ ‬ووسائل‭ ‬محددة‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬سياسات‭ ‬عمومية‭ ‬ترمي‭ ‬إلى‭ ‬التصدي‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬تغلغل‭ ‬الأفكار‭ ‬المتطرفة‭. ‬

وفي‭ ‬إطار‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬المغربية‭ ‬لمحاربة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬نجد‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬قطاع‭ ‬التعليم،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬تعديل‭ ‬مهم‭ ‬للمناهج‭ ‬المدرسية‭ ‬وإبعاد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬استغلاله‭ ‬لتنمية‭ ‬أفكار‭ ‬التطرف‭. ‬

وبالنظر‭ ‬لهذا‭ ‬الواقع،‭ ‬فنحن‭ ‬لسنا‭ ‬أمام‭ ‬ركيزة‭ ‬أو‭ ‬ركيزتين‭ ‬لمواجهة‭ ‬الارهاب‭ ‬ولكن‭ ‬أمام‭ ‬سياسات‭ ‬عمومية‭ ‬شاملة‭ ‬تنخرط‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬استراتيجية‭ ‬موحدة‭ ‬لمواجهة‭ ‬التطرف‭ ‬والارهاب‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ “‬آفة‭ ‬العصر”. ‬

أخيرا،‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬الجزم‭ ‬بأن‭ ‬المغرب‭ ‬أصبح‭ ‬الصد‭ ‬المنيع‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الإرهابيين؟

تتميز‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬بكونها‭ ‬تعود‭ ‬لتحيا‭ ‬من‭ ‬رمادها‭ ‬بعد‭ ‬اختفائها‭ ‬وأن‭ ‬لها‭ ‬قدرة‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬التأقلم‭. ‬وبالتالي،‭ ‬يظل‭ ‬التهديد‭ ‬الإرهابي‭ ‬قائما‭ ‬والخطر‭ ‬صفر‭ ‬غير‭ ‬موجود‭. ‬ورغم‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬أظهرت‭ ‬خبرة‭ ‬ويقظة‭ ‬وحذر‭ ‬السلطات‭ ‬الأمنية‭ ‬فعاليتها‭ ‬ونجاعتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تفكيكها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الخلايا‭ ‬الإرهابية‭. ‬ولنا‭ ‬أمل‭ ‬وثقة‭ ‬كبيرتين‭ ‬في‭ ‬أجهزتنا‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬وتحقيق‭ ‬النجاح‭ ‬اللازم‭ ‬في‭ ‬التصدي‭ ‬للإرهاب،‭ ‬واستباق‭ ‬ظهوره‭. ‬فَهُمْ‭ ‬رجال‭ ‬ونساء‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬المستويات‭ ‬يسهرون‭ ‬ليل‭ ‬نهار‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬وسلامة‭ ‬المواطنين‭ ‬والاستقرار‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭.‬

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.