الحرشي: السكن اللائق ودوره في تعزيز الأمن الوطني.

إشراقة نيوز: محمد الحرشي

هناك علاقة وطيدة بين السكن غير اللائق ومستوى الأمراض النفسية والسلوكية والتواصلية من عصاب وتوتر مزمن وقلق دائم وخوف مستمر، وما ينتج عنها من انحرافات مختلفة كتعاطي المخدرات والسرقة والهدر المدرسي والعنف الذي يطال الأشخاص والممتلكات العامة والخاصة ، وبالتالي ضياع ثروة كبيرة من الموارد البشرية ينتج عنها أيضا ضياع الوطن وكل مقوماته الأساسية.

فالمطلوب استعجاليا بناء شقق واسعة، دافئة ومهواة، تشتمل على ثلات غرف على الأقل تحفظ حميمية الأبوين والأطفال معا ، ومطبخ يسع كل مستلزمات إعداد الوجبات الغذائية والصحية ، ومرحاض ترتاح فيه النفس، نظرا لدورها في تعزيز المحبة داخل الأسرة وإشاعة سلوكات الاحترام والتقدير بين الجميع.

فرحابة الشقة وتوفرها على شروط العيش الأساسية يخلق جوا من التفاهم والانضباط والاحترام المتبادل ويحمي من الأمراض النفسية والجسدية ويقوي وحدة الاسرة التي يحس فيه كل واحد بذاته يجعله يساهم بشكل واع في نشر المحبة والتضامن إلى باقي البيوت والأحياء الأخرى.

وبالمقابل فإن الشقة الضيقة، تخلق صراعات مختلفة بين الآباء والأطفال: مكان النوم، وقت الأكل، تفريغ المعدة، الترفيه عن النفس، صعوبة تبادل لحظات المرح الأسري. فكلما ضاقت الغرف ازداد العنف و التوتر والقلق، دون توقف، وعلى مدار الأسبوع والسنة.

وهكذا نرى الأطفال، الذين يسكنون في شقق ما يسمى بالسكن غير اللائق، يتسكعون في الأزقة إلى وقت متأخر من الليل يبحثون عن المتعة المزيفة وهم في الحقيقة يهربون من ضغوط البيت والعنف بين أفراد أسرهم فتحررهم مزيف وعواطفهم معطوبة تجد في الأقران ملاذا يساهم في انحرافهم بشكل سريع، والنتيجة أشخاص معطوبون نفسيا، جنسيا وتواصليا تنتظرهم أبواب السجون وضياع المال عليهم .

فإذا تمدد السكن غير اللائق، تمدد معه العنف بكل أشكاله، في المدينة الواحدة و في الوطن كله، فينتج عن ذلك ارتفاع نسبة الجريمة بكل أنواعها وضعف المواطنة وعدم الاهتمام بالممتلكات العامة والقوانين التنظيمية داخل المجتمع .

فالأمن مرهون إلى حد كبير بنوعية سكن المواطنين، فكلما تحسن السكن ازداد الأمان والاحترام والتقدير، وكلما تدهور ازداد العنف وضاع القانون.

يمكن للدولة أن تخصص الملايير لتجهيز الشرطة بأحدث الوسائل، ويمكن أن تبني سجونا أخرى، لكن البناء الحقيقي هو بناء الأطفال في شقق واسعة ورحبة وبجانبها مدراس ومستشفيات وجامعات ومعاهد بحوث وفضاءات خضراء وأسواق نموذجية، آنذاك يمكن أن نتحدث عن شعب متكامل نفسيا، اجتماعيا وقانونيا، لا مكان فيه لكل أشكال الاختلالات التي نعيشها الآن.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.