بوسلهام الكريني يكتب: المستهلك المغربي بين الاحتجاج والتهافت.. مفارقة السلوك في زمن الغلاء

إشراقة نيوز: بوسلهام الكريني

في شوارع المغرب، تتعالى أصوات المحتجين مطالبة بتحسين خدمات الصحة والتعليم، وبالحد من غلاء الأسعار الذي ينهك القدرة الشرائية للمواطنين. مشاهد يومية من التذمر الشعبي، تعكس أزمة ثقة متفاقمة في السياسات العمومية، وتبرز هشاشة المنظومة الاجتماعية التي باتت عاجزة عن تلبية الحاجيات الأساسية للمواطن.

لكن المفارقة الصارخة تكمن في السلوك الاستهلاكي نفسه: فبينما يندد المواطن بضعف خدمات المستشفيات العمومية، نجده يتهافت على المصحات الخاصة، مدفوعا برغبة في جودة العلاج وسرعة الاستجابة، ولو على حساب ميزانيته المحدودة. وبينما يستنكر تدهور التعليم العمومي، يقبل الآباء على تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة، متحملين تكاليف باهظة تشمل الكتب والواجبات الشهرية، في سبيل ضمان مستقبل أفضل.

أما في الأسواق، فالصورة لا تقل تناقضا: المواطن يشتكي من جشع التجار وارتفاع الأسعار، لكنه لا يتردد في اقتناء السلع المرتفعة الثمن، بل أحيانا يتسابق إليها وكأنها رمز للوجاهة أو ضمان للجودة. هذا السلوك يطرح سؤالا جوهريا: هل نحن أمام مستهلك مزدوج الوجه، أم أن الأمر أعمق من مجرد تناقض ظاهري؟

إن هذا التهافت ليس بالضرورة تعبيرا عن التناقض، بل عن غياب البديل. فحين تغيب الثقة في الخدمات العمومية، يصبح القطاع الخاص ملاذا اضطراريا، حتى وإن كان مكلفا. كما أن الثقافة الاستهلاكية، التي تغذيها الإعلانات والرموز الاجتماعية، تدفع المواطن إلى ربط الجودة بالثمن، والكرامة بالاقتناء، مما يخلق سلوكا استهلاكيا غير عقلاني، يتغلب فيه الإحساس بالحرمان على الحسابات الاقتصادية.

هذا الواقع يضع الدولة أمام مسؤولية مزدوجة: تحسين جودة الخدمات العمومية بشكل ملموس، واستعادة ثقة المواطن في مؤسساتها. كما يضع المجتمع المدني أمام تحدي التوعية بسلوك استهلاكي رشيد، يوازن بين الحاجة والقدرة، ويعيد الاعتبار لقيمة البساطة والاختيار الواعي.

وفي النهاية، لا يمكن تحميل المواطن وحده مسؤولية هذا التناقض، بل يجب فهمه في سياق أوسع من السياسات العمومية، والثقافة الاجتماعية، والضغط الاقتصادي. فالمستهلك ليس ذا وجهين، بل هو مرآة لواقع معقد، يحتاج إلى إصلاح عميق لا إلى لوم سطحي.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.