بوسلهام الكريني يكتب: خطبة “التحذير من الإسراف والتبذير”.. هل تخاطب واقعا أم تتجاهله؟

إشراقة نيوز: 

✍️ بوسلهام الكريني

في زمن تتعالى فيه صيحات الاحتجاج، وتضيق فيه سبل العيش على فئات واسعة من المواطنين، اختارت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن توحد خطبة الجمعة حول موضوع “التحذير من الإسراف والتبذير”. اختيار يثير تساؤلات عميقة حول مدى ارتباط الخطاب الديني الرسمي بالواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه المغاربة اليوم.

فحين يتحدث الخطيب عن “الإسراف في المأكل والمشرب والملبس والمركب”، لا يسعنا إلا أن نتساءل: من هم هؤلاء المسرفون؟ هل هم المواطنون الذين يقضون يومهم في أعمال شاقة بأجور يومية لا تكفي سد رمقهم، أم أولئك الذين ينتظرون حوالة الدعم خائفين من حركة المؤشر، أو الذين يقتاتون على الخبز والشاي؟ هل الإسراف يقاس على من لا يجد ما يسرف فيه أصلا؟ أم أن الخطبة موجهة لفئة أخرى، لا تحضر أصلا في المساجد الشعبية، ولا تعاني من غلاء الأسعار أو البطالة أو انسداد الأفق؟ وهل حقا كان الإمام الخطيب مقتنعا بما يقول؟؟ وكيف سيصدقه المصلون؟؟ وهو الذي يتقاضى راتبين فاخرين، ويأتي المسجد مستقلا سيارة رباعية الدفع.. ثم يستفز المصلين بكلام هراء لا يمت للواقع بصلة، شأن الإمام في ذلك شأن مدرس يقصد قسمه لإلقاء محاضرة مدفوعة الأجر، تخرج من الحنجرة ولا تتجاوز آذان المتلقين، بل وتنفض في باب المسجد مع الغبار والأتربة العالقة بالأحذية…

إن الخطاب الديني حين يعمم دون مراعاة للفوارق الطبقية، يفقد رسالته التربوية ويصبح أداة للتغافل عن جوهر الأزمة. فالمواطن اليوم لا يسرف، بل يكابد، ويدبر القليل ليصمد أمام الغلاء، والبطالة، وغياب العدالة الاجتماعية.

لقد استشهد الخطيب بآيات وأحاديث تحذر من الإسراف، وهذا في أصله توجيه نبيل، لكن حين يطرح في سياق يعاني فيه المواطن من الحرمان، يصبح الخطاب منفصلا عن الواقع، بل وقد يشعر الفقير بالذنب بدل أن يشعره بالكرامة. أين الحديث عن التبذير في الصفقات العمومية؟ عن الإسراف في ميزانيات بعض المؤسسات؟ عن التبذير في الحفلات الرسمية “موازين مثلا”، ومهرجانات الفروسية، والمواسم الغنائية الماجنة التي تدعو إلى الفجور.. ناهيك عن تلك الأموال التي تصرف بغير حق؟ لماذا لا يوجه الخطاب الديني نحو من يملكون القدرة على التبذير فعلا؟

ففي الوقت الذي يحتج فيه آلاف الشباب العاطلين عن العمل، ويطالبون بحقهم في الكرامة والعيش الكريم، تأتي الخطبة لتحدثهم عن الاقتصاد في الإنفاق، وكأنهم يملكون ما ينفقون! أليس من الأولى أن تخصص خطبة عن العدالة الاجتماعية؟ عن العمل كحق؟ عن مسؤولية الدولة والمجتمع في توفير فرص العيش الكريم؟

الخطبة الموحدة، كما تسمى، ينبغي أن تكون موحدة للقلوب، جامعة للهموم، ناطقة باسم الجميع. لكنها في هذا السياق بدت وكأنها تخاطب طبقة واحدة، وتغفل أخرى. فهل من العدل أن يطلب من الفقير أن يقتصد، بينما يغض الطرف عن مظاهر البذخ في أعلى هرم المجتمع؟

إن الخطاب الديني ليس مجرد نصوص تتلى كحصة القراءة في حجرة مدرسية بلا عقل حاضر ولا قلب واع لما يقول، بل هو رسالة تربوية واجتماعية ينبغي أن تلامس الواقع، وتعالج أوجاع الناس، وتشاركهم همومهم، وتناصرهم لا أن تثقل كواهلهم بمزيد من اللوم. فليكن المنبر صوتا للعدالة، لا صدى للتغافل.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.